الأحد 13 حزيران (يونيو) 2010 المستقبل العربي ـ واشنطن ـ محمد سعيد: يؤكد العديد من قادة حركة "فتح" وخاصة المؤسسين أن محمود عباس (أبو مازن) لم يكن فى يوم من الأيام واحدا منهم أو عضوا فى أى من الحلقات الرئيسية التى شكلت فيما بعد حركة "فتح" فى أواخر الخمسينيات،

وحتى الاجتماع الأول الذى عقد فى الكويت فى مطلع الستينيات لتشكيل النواة القيادية للحركة لم يكن عباس واحدا منهم. وأبو مازن كما يقول مسئولون كبار رافقوا مسيرته فى حركة "فتح"، اسمه الكامل محمود رضا عباس ميرزا من عائلة ذات أصول ايرانية من طائفة البهائيين، هاجرت إلى فلسطين مع اضطهاد الحكومة الإيرانية لهم، وهو أمر ينفيه أبو مازن ويؤكد أنه مسلم سنى. واستقرت عائلته فى صفد التى ولد فيها فى 26 آ ذار/مارس 1935 وهاجر منها مع عائلته بعد نكبة فلسطين فى عام 1948 ليستقروا فى دمشق، ويكمل دراسته فى جامعتها، وبعدها يغادر إلى قطر للعمل مديرا لشئون الأفراد فى ديوان الخدمة المدنية. وبالرغم من بعض الادعاءات التى تقول أن أبو مازن كان شارك فى العمل السياسى الفلسطينى فى قطر وتنظيم مجموعة من المقيمين الفلسطينيين هناك، فإن أياً من المصادر الفلسطينية لم يشر أبدا إلى مثل هذا الارتباط، مشيرين إلى أنه حتى لم يشارك فى المجلس الوطنى الفلسطينى الأول عام 1964 الذى ضم ممثلين عن الجاليات الفلسطينية فى كافة الأقطار العربية. ويقول أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" فاروق قدومى فى حوار معه إن أول من قدم محمود عباس إليهم هو ياسر عرفات بعد معركة الكرامة. ويشير القدومى إلى أن من أبرز أعضاء مجموعة قطر التى شكلت إلى جانب مجموعات أخرى حركة "فتح"، كمال عدوان وأبو يوسف النجار وعبد الفتاح عيسى حمود، والثلاثة كانوا حتى استشهادهم أعضاء فى اللجنة المركزية لحركة "فتح". وقد أسفرت معركة الكرامة إلى جانب الانتصار الذى دفع بآلاف الشباب الفلسطينى والعربى للالتحاق بمنظمات المقاومة الفلسطينية وخاصة "فتح"، أسفر بعد نحو أسبوعين عن تعيين ياسر عرفات ناطقا رسميا باسم الحركة باتفاق بينه وبين صلاح خلف (أبو إياد)، من وراء ظهر اللجنة المركزية، حيث قام أبو إياد بإصدار بيان بهذا الشأن لوسائل الإعلام التى كانت تبحث عمن تتحدث معه بعد انتصار الكرامة التى لم يخضها عرفات شخصيا، يفيد بأنه تم تعيين ياسر عرفات (أبو عمار) ناطقا رسميا باسم "فتح" وبذلك تم فرض عرفات زعيما بقوة الإعلام وفيما بعد تدخل المال ليعزز زعامته. وقد تسبب التركيب الفكرى المختلط لقيادة "فتح"، وخاصة لجنتها المركزية آنذاك إلى استقطاب تنظيمى مختلط، فكل عضو فى اللجنة المركزية كان يستقطب للتنظيم من يعتقد أنه سيشكل دعما له من خلال معارفه وشبكة علاقاته السياسية والشخصية، لذلك تداخلت فى تنظيم "فتح" ومستوياتها القيادية ذوو الميول والانتماءات القومية والتقدمية والاتجاهات الوطنية العامة والدينية ومن الذين لا يعرف لهم انتماء سياسى وفكرى واضح. وكان محمود عباس واحدا من هؤلاء الذين يتميزون بغموض الإنتماء. واستخدم عرفات عضويته فى اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وعدم انتمائه لأى من الكتل الأيديولوجية فى فتح (بعثيون وقوميون وإسلاميون ـ إخوان مسلمون وتحريريون ـ ويساريون) فى تنصيب محمود عباس وفرضه عضوا فى اللجنة المركزية فور التحاقه، استنادا إلى ما كان سائدا فى الوضع التنظيمى، حيث كان يقتصر على انتخاب ثلاثة أعضاء فقط، ثم يستكمل هؤلاء بقية أعضاء اللجنة المركزية بصورة تدريجية، حيث يتم اختيار العضو الرابع، ثم يختار الأربعة العضو الخامس، وهكذا. ومنذ ذلك اليوم بدأ أبو مازن مشواره السياسى من فكرة "اختراق المجتمع الصهيوني" من أجل تصفيته، إلى عقد اتفاقيات أوسلو والتنصل من المقاومة المسلحة التى يقول أبو اللطف إن أبو مازن لم يكن أبدا طرفا فيها. وبصفته عضوا فى اللجنة المركزية لـ "فتح"، فقد دخل فى عضوية المجلس الوطنى الفلسطينى لأول مرة فى عام 1968 على قائمة "فتح" ولا يزال. وبقى أبو مازن داخل "فتح" ملتصقا بعرفات، حيث لم يعرف بسبب غموض انتمائه أن له قواعد داخل التنظيم، فهو لم يكن عضوا فى القيادة العامة لقوات العاصفة، ولا مسئولا عسكريا فى الميليشيا، ولا يقوم بزيارات منتظمة إلى القواعد، وليس لديه جهاز مؤثر مثل غيره. وبعد انسحاب المقاومة من الأردن فى عام 1971، عقد المؤتمر العام الثالث للحركة فى تشرين أول/أكتوبر 1971 فى سوريا فى وضع كان ينذر بتمرد على القيادة التى جلبت هزيمة للمقاومة فى الأردن، غير أن عرفات أخضع المؤتمر بكامله للإبتزاز مشترطا التصويت على اللجنة المركزية السابقة ككل، مع إحلال عضوين جديدين خلفا للشهيدين وليد نمر (أبو على إياد)، وممدوح صيدم (أبو صبري)، وبذلك احتفظ محمود عباس بعضوية اللجنة المركزية. لم يعرف عن أبو مازن ولعه بالكفاح المسلح، مفضلا العمل السياسى (التسووي) وقد بدأ ينشط فى إطار تيار داخل "فتح" يدعو للتفاوض مع اسرائيل والدخول فى تسوية سلمية على أساس قرار مجلس الأمن رقم 242 فى أعقاب دعوة الرئيس المصرى ـ آنذاك ـ أنور السادات إلى تسوية الصراع العربى الصهيونى بالوسائل السلمية، فيما عرف وقتها بـ"مبادرة السادات"، التى أطلقها فى شباط/فبراير سنة 1971، وقد ساعدت دعوة السادات تيار التسوية داخل فتح بوضع آرائه موضع التطبيق العملى فى البداية مع بدء الحديث عن إقامة حكومة فلسطينية فى المنفى الذى كانت قيادة عرفات تدعمه.. ومن ثم طرح جون فيشر، وهو أكاديمى أميركى يهودى من جامعة هارفارد مشروعا للتسوية بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب اسرائيل، وهو ما لاقى هوى لدى عرفات ومعه أبو مازن وآخرون، محدثا انقساما داخل الحركة، وليطرح فيما بعد فى دورة المجلس الوطنى الفلسطينى الحادية عشرة التى عقدت فى القاهرة فى الفترة من 6 ـ 10 كانون ثاني/يناير 1973 ليواجه بموقف التيار "المتشدد" المناهض للتسوية داخل ”فتح"، حيث اندفع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح آنذاك كمال عدوان ليقول فى تلك الدورة إنه "فى اللحظة التى يجرى فيها الموافقة على مثل هذا المشروع سيكون نصفنا فى القبر والنصف الآخر فى المعتقل"، وقد أيده فى الرفض آنذاك عضو اللجنة المركزية للحركة محمد يوسف النجار (أبو يوسف) (وكلاهما جاء من صفوف الإخوان المسلمين وعاشا فى قطاع غزة بعد نكبة فلسطين الأولى عام 1948 وهما من حلقة قطر التى شكلت مع غيرها من الحلقات نواة فتح الأولي). ولأن اسرائيل لا تستطيع التدخل مباشرة فى السياسة الفلسطينية، فقد تم اتخاذ قرار داخل جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الخارجى (الموساد) بالتدخل غير المباشر، وهى اغتيال رموز التيار الوطنى المتشدد، وهى السياسة التى اعتمدها الموساد فى عمليات أخرى لاحقا ضد عناصر فلسطينية عارضت خطط التسوية السلمية. وبعد ثلاثة أشهر من اختتام الدورة الـ11 للمجلس الوطنى الفلسطينى قامت قوة كوماندوز إسرائيلية بقيادة إيهود بارااك بمهاجمة البناية التى كان يقطنها كمال عدوان مسئول القطاع الغربى (الأرض المحتلة) فى "فتح"، وأبو يوسف النجار (الذى كان آنذاك عضوا فى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيسا لدائرتها السياسية)، وكمال ناصر (عضو اللجنة التنفيذية والناطق باسمها)، التى تقع فى شارع الفردان ببيروت الغربية، حيث دخل أفراد الكوماندوز الذين لم يجدوا حرسا أمام البناية، حيث كان قد تم مغادرتهم قبل يومين من العملية بناء على أمر من عرفات بحجة تزايد شكاوى سكان البناية من وجودهم. وقد اقتحم أفراد الكوماندوز الإسرائيليون شقق القادة الثلاثة ليتم اغتيالهم فى العاشر من نيسان/إبريل 1973. فتح اغتيال عدوان والنجار المجال لـ"أبو مازن" تطبيق مفاهيمه "التسووية" بموافقة من عرفات وتحت يافطة إقناع الدول العربية قبول عودة اليهود الذين غادروها للإستيطان فى فلسطين إلى بلدانهم الأصلية، غير أن أحدا من هؤلاء اليهود المستوطنين لم ينزح من فلسطين المحتلة ليعود إلى أى من الدول العربية، غير أنه استغل ذلك لبدء حواراته واتصالاته مع الإسرائيليين ممن وصفهم بغير الصهاينة، لكنه فى الحقيقة كان يجتمع مع الصهاينة الإسرائيليين، ومن بينهم الجنرال ماتيتياهو بيليد الذى قادت محادثات أبو مازن معه إلى إعلان مبادئ السلام على أساس الحل بإقامة دولتين المعلن فى الأول من كانون ثاني/يناير 1977. وفى آذار/مارس سنة 1977 اتخذ المجلس الوطنى الفلسطينى قرارا بإجراء اتصالات مع اليسار الإسرائيلى المؤمن بحق الشعب الفلسطينى والموافق على إقامة دولة فلسطينية مستقلة بجوار دولة اسرائيل، حسب قرار المجلس الوطنى. واعتبرت بعض الفصائل الفلسطينية مثل هذا القرار خيانة للثورة الفلسطينية. وكان خط التسوية بمفهوم أبو مازن ينشط بعد كل عملية اغتيال لأحد رموز "التشدد" فى "فتح". كان أبو مازن قد أحاط نفسه فى مساعيه "التسووية" بعدد ممن يتبنون آراءه مثل عصام السرطاوى وسعيد حمامى اللذين قتلا فيما بعد. وبينما قتل حمامى فى لندن بعد أن تكررت تصريحاته الداعية إلى التفاوض مع إسرائيل والموافقة على إنشاء دولة فلسطينية حتى لو كانت "دويلة مشوهة"، وألصق قتله بصبرى البنا (أبو نضال)، فيما قتل السرطاوى فى لشبونة بالبرتغال أثناء مشاركته فى مؤتمر الاشتراكية الدولية، وليس هناك ما يؤكد أن أبو نضال كان وراء عملية الاغتيال، خاصة وأن السرطاوى كان من الذين تهكموا على عرفات فى دورة المجلس الوطنى الفلسطينى التى عقدت فى الجزائر فى شباط/فبراير 1983 حيث اعتبر عرفات أن الخروج من بيروت فى أيلول/سبتمبر 1982 هو بحد ذاته انتصار، الأمر الذى دفع السرطاوى للقول متهكما "انتصار آخر مثل هذا فسنعقد دورة مجلسنا القادمة فى فيجي"، وهو ما أثار انفعال عرفات الذى بادر بشتم السرطاوى وطرده من قاعة المجلس فى قصر الصنوبر، والطلب من سلطات الأمن الجزائرية طرده من الأراضى الجزائرية على الفور. وتشير دراسة ملابسات اغتيال السرطاوى إلى أن منفذ عملية الاغتيال لم يقم بأى محاولة لإطلاق الرصاص على شمعون بيريس الذى كان يقف قريبا من السرطاوى فى 10 نيسان/ابريل سنة 1983. بعد سبعة أعوام على اغتيال عدوان والنجار، برز ماجد أبو شرار بعد انتخابه عضوا فى اللجنة المركزية لحركة "فتح" فى مؤتمرها الرابع فى مايو 1980 إلى جانب سميح كويك (قدري) كأبرز رموز مناهضة خط التسوية بمفهوم أبو مازن، بالرغم أن أبو شرار لم يكن ضد التسوية من أساسها حيث كان ينظّر إلى جانب زميله فى اللجنة المركزية نمر صالح (أبو صالح) لتسوية وطنية تستند إلى التحالف الوثيق مع الإتحاد السوفيتى وسوريا، وفى هذا الإطار عمل على تشكيل تيار معارض قوى ومتشدد تجاه توجهات تيار عرفات ـ أبو مازن، غير أن الأمر لم يطل، حيث جرى اغتيال أبو شرار فى العاصمة الإيطالية، روما فى تشرين أول/أكتوبر سنة 1981. وقد كشفت الطريقة التى تم بها اغتيال أبو شرار، الذى كان أيضا عضوا فى لجنة القطاع الغربى المسئولة عن العمل الفدائى فى فلسطين المحتلة، مدى الاختراق الإسرائيلى للحركة. وقد جاء اغتياله فى أعقاب نقاش حاد شهده اجتماع اللجنة المركزية لـ "فتح" قبل أسبوع من اغتياله، بينه وبين عرفات الذى نهض من مكانه وأمر بإنهاء الجلسة، وبدا وكأنه قد اتخذ قرارا ما، وبعد أسبوع تم اغتيال ماجد أبو شرار فى أحد فنادق روما، معروف بأن الإسرائيليين يترددون عليه، ويقيمون فيه، وأن من قام بالحجز له فى الفندق هو مدير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك فى روما نمر حماد (مستشار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حاليا فى رام الله)، وكانت شبهات كثيرة تدور حول نمر حماد، وأن له دورا فى تسهيل عملية الإغتيال، حيث يعرف تماما وضعيه ذلك الفندق، وأنه كان مرتعا لعملاء الموساد. وبالرغم من أن لعرفات مصلحة فى غياب أحد معارضيه المتشددين، إلا أن المستفيد الأبرز فى ذلك هو اسرائيل التى كانت تريد تصفية أى تيار يعارض التسوية بشروطها. وقد اغتيل أبو شرار، بتفجير هاتف الغرفة عن طريق التحكم من بُعد، وهى تقنية عالية لم يكن يمتلكها سوى أجهزة مخابرات متقدمة فى ذلك الوقت. وفى 16 نيسان/إبريل 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى بأربعة أشهر تقريبا، تم اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) فى دارته بضاحية سيدى بو سعيد بتونس العاصمة، على يد مجموعة كوماندوز بقيادة بارااك. وفى 15 كانون ثاني/يناير 1991 تم اغتيال صلاح خلف (أبو إياد) وزميله فى اللجنة المركزية لـ "فتح" هايل عبد الحميد (أبو الهول) ليزاح مزيد من العقبات من طريق نهج ـ أبو مازن الذى انخرط مع دول عربية أخرى فى محادثات مدريد، وما بعدها، وصولا إلى توقيع اتفاقيات اوسلو التى قادها أبو مازن بإشراف مباشر من عرفات فى 13 أيلول/سبتمبر 1993، التى أسفرت عن "الحكم الذاتى المحدود". وكان أبو مازن قد بدأ مفاوضاته مع مسئولين فى الحكومة الإسرائيلية فى أعقاب فتح الولايات المتحدة الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية بعد اعتراف عرفات بإسرائيل ونبذه للمقاومة فى أواخر عام 1988، حيث بدأ أبو مازن التفاوض الرسمى مع الحكومة الإسرائيلية عبر وسطاء هولنديين عام 1989. كانت مواقع أبو مازن تتعزز عقب كل عملية اغتيال يروح ضحيتها أحد قادة "فتح" المعارضين لنهج التسوية بالشروط الإسرائيلية ـ الأميركية، ففى نيسان/إبريل 1981 أصبح عضوا فى اللجنة الاقتصادية لمنظمة التحرير، وبعد اغتيال أبو جهاد اصبح عداؤه للمقاومة معلن بضرورة وقفها والتخلى عن أسلحتها والتفاوض مع الحكومة الإسرائيلية على أرضية التخلى عن حق العودة والقدس؛ فيما كان تولى فى أوائل السبعينات مفوض التعبئة والتنظيم، وبعد ذلك رئيسا للجنة الصداقة الفلسطينية ـ السوفيتية. فى شهر تموز/يوليو 2000 فشلت المفاوضات بين وفد برئاسة عرفات وعضوية أبو مازن وأحمد قريع، ووفد اسرائيلى برئاسة رئيس الحكومة آنذاك إيهود باراك فى كامب ديفيد برعاية الرئيس الأميركى السابق بيل كلينتون، ووزيرة خارجيته مادلين اولبرايت، حيث لم يتلق عرفات أى عرض رسمى اسرائيلى مكتوب فيما كان الأميركيون والإسرائيليون يطالبون عرفات بالتنازل عن حق اللاجئين فى العودة والقدس. واندلعت انتفاضة الأقصى فى أيلو/سبتمبر من العام نفسه عقب محاولة أرييل شارون تدنيس الأقصى. كانت أول فرصة لبروز أبو مازن خليفة لعرفات قد ظهرت مع بداية عام 2003، فى أعقاب الحصار الذى فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلى على عرفات فى "المقاطعة"، حيث كان شارون قد اشترط عدم رفع الحصار إلى أن يوافق عرفات على تعيين رئيس حكومة للسلطة الفلسطينية، وهو المطلب الذى تقاطع مع دعوات أبو مازن ومؤيديه آنذاك بضرورة تعيين رئيس للحكومة. وباتفاق بين حكومتى بوش وشارون على عدم مواصلة المفاوضات مع ياسر عرفات، سطع نجم أبو مازن كبديل براجماتى لعملية التفاوض، خصوصاً أن المؤهلين للتفاوض عوضاً عن عرفات كمروان البرغوثى كان معتقلا فى السجون الإسرائيلية، ورغبة المجتمع الدولى برجل مرن ليعيد إحياء عملية التفاوض. ولم يخف شارون وقتها رغبته الصريحة بتعيين أبو مازن رئيسا لحكومة السلطة متعهدا بمساعدته فى حال توليه المنصب، على أمل أن يخلف عرفات فى الوقت المناسب. وقد أطلق أبو مازن على الفور اشارات ودية جريئة تجاه اسرائيل، غير آبه بغضب الفلسطينيين الذين يعتقد بأنهم ليسوا هم الطرف الذى يحسم وضعه، بل إن الولايات المتحدة وإسرائيل هما من يحسم مسألة الرئيس المقبل للسلطة الفلسطينية ويفرضها على الجميع. وتنامت الضغوط على عرفات لتعيين أبو مازن رئيسا لحكومة السلطة الفلسطينية رغم امتعاض عرفات من فكرة فصل رئاسة الوزراء عن رئاسة السلطة، حيث كان يجمع بين المنصبين طبقا للقانون الأساسى للسلطة، مما اضطره إلى تعديل القانون بحيث تم فصل المنصبين، وتم تعيين أبو مازن رئيسا للحكومة فى 19 آذار/مارس 2003، واستمرت الصراعات بين أبو مازن وعرفات فى الصلاحيات والنفوذ، وألمح أبو مازن أنه سيستقيل من منصبه إن لم تتوفر له صلاحيات رئيس الوزراء، إلى أن واجه برلمان السلطة الفلسطينية (المجلس التشريعي) فى أيلول/سبتمبر 2003 بهذه الحقيقة. وكانت المحصلة أن استقال أبومازن من منصبه، ووجهت الولايات المتحدة وبريطانيا اللوم إلى عرفات لتخطيه منصب رئيس الوزراء وحكومته. وقام أبومازن بتقديم استقالته من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كأمين سرها منذ عام 1996 واللجنة المركزية لحركة "فتح" عقب ضغوط ومناورات مارسها عرفات آنذاك فى سياق تهميشه، دافعا بمؤيديه وأنصاره إلى التظاهر ضد أبومازن والتشكيك فى ارتباطاته وغاياته وتهديد حياته. وقرر أبومازن الرحيل والهجرة، وذكرت مصادر آنذاك أن كندا كانت أحد خياراته، حيث يحمل أحد أولاده الجنسية الكندية. وفور وفاة عرفات فى تشرين ثاني/نوفمبر عام 2004 أسرع أبو مازن إلى أخذ مكانه كخليفة لعرفات رغم أنه كان مستقيلا من كافة مناصبه التنظيمية، ليعد لترشيح نفسه بعد انتهاء الفترة الإنتقالية التى تولى فيها رئاسة السلطة، رئيس المجلس التشريعى آنذاك روحى فتوح، غير أن المظاهرات التى اندلعت فى غزة وبيرزيت التى هتفت ضده وضد حليفه محمد دحلان بأنهما عميلان أميركيان، قد أثمرت، حيث أعلن أبو مازن ومعه حركة "فتح" أنه ليس مرشحا بعد لانتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية خلفا لعرفات. إلا أن هذا الأمر لم يطل كثيرا. وكرر أبو مازن ذات الإشارات الودية التى كان اطلقها تجاه اسرائيل، تماما كما فعل فى اوسلو، حيث نظم هناك فى سرية مطلقة فى عام 1993، وبعيدا عن المفاوضات الرسمية التى كان يجريها وفد فلسطينى فى واشنطن برئاسة حيدر عبد الشافى، اتفاق اوسلو الذى تنازلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بمقتضاه عن 80 بالمائة من فلسطين، وقبلت بسلطة حكم ذاتى محدود على بعض الجيوب فى قطاع غزة والضفة الغربية المحتلتين، وإقامة أجهزة أمن وشرطة مهمتها وقف العمل الفدائى وحماية أمن الكيان الصهيونى. محمود عباس الذى يحمل شهادة الدكتوراه فى العلوم السياسية من كلية الدراسات الشرقية الروسية حول اطروحته عن "العلاقة بين النازية والحركة الصهيونية"، التى طبعتها دار ابن رشد بعد ذلك كتابا يحمل العنوان نفسه، هاجم فى تصريحات بارزة الإنتفاضة والمقاومة.. وقال إن الفلسطينيين "ارتكبوا أخطاء فاحشة فى سنوات الانتفاضة، والخطأ الأكبر والحاسم كان الإنتقال إلى استخدام السلاح ضد اسرائيل. وحصلنا فى هذه الإنتفاضة فقط على الدمار المطلق". أحاط أبومازن نفسه بعد توليه منصب رئيس الحكومة فى عام 2003 بعدد من الموالين السابقين لعرفات بعد أن تأكدوا أن عرفات لم يعد خيارا للحكومة الأميركية التى تنظر بمنظار شارون إزاء تسوية الصراع العربى الإسرائيلى، حيث أعد هؤلاء أنفسهم لمرحلة ما بعد عرفات، ومن أبرزهم نبيل عمرو الذى عوقب فيما بعد بإطلاق النار عليه فى منزله، حيث لا تزال إصابة ساقه تثير شجونه وتدفعه إلى تصعيد تصريحاته ضد كل من يقاوم الإحتلال، ومحمد دحلان الذى كان يطمح فى تولى منصب المستشار السياسى لـ"أبو مازن" رغم ما يعرف عنه ارتباطه بإسرائيل والمخابرات المركزية الأميركية (سى آى إيه) منذ أن جنده رئيس محطتها السابق فى تونس ويتلى برونر عقب فتح الحوار بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكان قد طرده عرفات من مجلسه بعد رفضه تسليمه 30 مليون دولار كان دحلان تلقاها من الاتحاد الأوروبى لتنفيذ خطته الأمنية التى لم تر النور، حيث خرج من السلطة مع استقالة حكومة أبو مازن التى لم تعمر سوى بضعة أشهر. وكانت حكومة بوش بعد أن تخلصت من عرفات ترى ضرورة التعامل مع سلطة بثلاثة رؤوس، "الترويكا الفلسطينية" المكونة من أبو مازن ووزير مالية السلطة الفلسطينية سلام فياض ودحلان. ولكن يبدو أن ما حدث فى غزة قد جعل المتآمرين المتأمركين يعيدون رسم خططهم من جديد، وهم ليسوا قلة فى حركة "فتح"، وتوابعها من "ليبراليين جدد" وأكاديميين، ومتمولين ومنظمات غير حكومية ممولة اميركيا وأوروبيا. ويحتاج نجاح "ترويكا" اميركية التوجه إلى حسم الخلاف داخل حركة "فتح" بين ما أصبح يطلق عليهم "جماعة تونس" و"جماعة الداخل" التى تضم المقاتلين والفدائيين، وخاصة كتائب شهداء الأقصى الذين كانوا يعتمدون فى تمويلهم وتسليحهم على السلطة فى عهد عرفات، والمرتبطين بالسلطة من جهاز الأمن الوقائى وأجهزة الأمن الأخرى. وحتى الآن لم يطرأ أى تغيير على تركيبة المجموعة المحيطة بـ"أبو مازن" وتضم ياسر عبد ربه، أحمد عبد الرحمن، مصطفى أبو الرب، الطيب عبد الرحيم، نمر حماد، ، صائب عريقات، نبيل شعث، أكرم هنية، وجبريل رجوب، ومحمد دحلان، محمد شتية، الحاج اسماعيل، رمزي خوري، عطا خيري، أبو ماهر غنيم، سليم الزعنون، ماجد فرج، ياسر عباس، وعزام الأحمد. وما يجمع بين هؤلاء هو عملهم فى "هيئة مستشارى أبو مازن" وارتباطاتهم مع أكثر جهة اقليمية، وبتزكية جهات غير فلسطينية.

إضافة التعليقات متوقفة حاليا - ترجى المعذرة.

Comments will undergo moderation before they get published.

إغتيال عرفات

كلّ يوم يمرّ دون إجراء فحص لرفات الرئيس الراحل أبو عمّار تتضاءل الفرصة في الوصول لحقيقة اغتياله وإنّ مرور الوقت يجعل من الوصول لها مستحيلا, فمن يعمل على التأخير ومن صاحب المصلحة بإخفاء الحقيقة خاصّة وأنّ الخبراء يقولون أنّه تبقّى أسابيع منذ شهر تموز لعام 2012 ؟


العد التنازلي توقّف
بتاريخ 1-12-2012

هل تعتقد أنّ الطيراوي حصل على ال VIP من اسرائيل مقابل اغلاق ملف التحقيق باغتيال أبو عمّار

نعم - 83.5%
لا - 16.5%
التصويت لهذا الاستفتاء منتهي

هل ينطبق المثل القائل "يقتل القتيل ويمشي في جنازته" على أبو مازن؟

نعم - 87.5%
لا - 12.5%
التصويت لهذا الاستفتاء منتهي

الأكثر قراءة